العلاج في فرنسا أصبح من الماضي
لقد شكلت الديون المستحقة على المستشفيات الفرنسية للجزائريين في الآونة الأخيرة مصدر توتر بين البلدين، وأداة ضغط واستفزاز يستخدمها الإليزيه في كل مرة لتضليل الرأي العام.
وفي المقابل تسعى الجزائر إلى تنويع وجهات المرضى الجزائريين للعلاج في الخارج، من خلال عقد اتفاقيات مع دول متقدمة في مجال الطب كأمر ضروري ومطلوب، خاصة إذا كان هدفها التخلص من الاحتكار الفرنسي.
يعتبر العلاج في الخارج شريان حياة لكثير من المرضى الجزائريين، فرغم أن المستشفيات في الوطن الأم توفر لهم الرعاية الصحية بالمجان، إلا أن صعوبة الحصول على المواعيد للحالات العاجلة والمعقدة، والاكتظاظ الذي تعاني منه أغلب المستشفيات، لا يترك للمرضى خيارا سوى التوجه للعلاج في الخارج تجنبا للانتظار لأسابيع أو أشهر والتنقل من مستشفى إلى آخر.
العمليات الجراحية المعقدة مثل زراعة الأعضاء سواء بالجراحة أو بالمنظار، بالإضافة إلى التلقيح الصناعي، وزيادة نسبة الخصوبة عند الرجال والنساء، من أهم العمليات التي تفتقدها المستشفيات سواء كانت عامة أو خاصة، ويضطر المريض للسفر إلى الخارج للعلاج رغم تكلفتها العالية.
كما يرتاد الجزائريون المستشفيات الأوروبية بأعداد كبيرة لإجراء عمليات سرطان الرئة والثدي، بالإضافة إلى عمليات سرطان المعدة والقولون، التي تشهد استجابة علاجية عالية، وبذلك يصبح السرطان مرضا عاديا مع تطور البحث العلمي، وهذا يعتمد على الخلايا الذكية في العلاج، مما يسمح للمريض بالعيش أطول فترة ممكنة.
مريض عاد من فرنسا بنفس البروتوكول العلاجي
وفي هذا الصدد، يقول الطبيب العام بمستشفى عين مليلة الدكتور محمد شيداخ، إن تحويل المرضى للعلاج بالخارج يتم من خلال لجنة خبراء تدرس حالة المريض، ولابد من توافر شرطين أساسيين لحدوث ذلك: أن لا يمكن علاج حالة المريض في مستشفيات الوطن، وأن تتحسن في البلد الذي سيعالج فيه.
ويؤكد شيداخ: "كما أن هناك مرضى عولجوا بالخارج وحققت تحاليلهم نتائج جيدة، سجلنا آخرين عادوا إلى الوطن بنفس بروتوكول العلاج تقريبا ثم توفوا".
ويذكر محاورنا على وجه الخصوص مريضا كانت حالته الصحية قيد المتابعة، يعاني من انسداد شرياني في القلب والساقين، تم نقله إلى فرنسا، وتحديدا إلى مستشفى لاريبوازيير بباريس، في إطار عقد مع صندوق الضمان الاجتماعي، حيث تم علاجه وإعادة تقييم حالته وعاد إلى الوطن بملف كبير أثبت توفر العديد من تقنيات التشخيص هناك، ولكن بنفس بروتوكول العلاج المتبع تقريبا في المستشفيات الجزائرية. هذا المريض عاش بعد ذلك ثمانية عشر عاماً.
مريض آخر أصيب بسرطان البروستات الذي وصل إلى مرحلته النهائية، وانتشر في أنحاء جسده وأرهقه، فنُقل إلى بلجيكا حيث خضع لفحوصات وأشعة مختلفة وعاد إلى وطنه وتوفي بعد حوالي عامين.
طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات من باتنة يعيش الآن حياة طبيعية بعد صراع طويل مع سرطان الدم ويتلقى العلاج في مركز الأناضول التركي، وهو من أكبر المستشفيات الخاصة في تركيا.
وفي التفاصيل، وبحسب الأب، واجه الابن معاذ معركة صعبة بعد تشخيص إصابته بسرطان الدم، حيث خضع في البداية لعلاج مكثف في مستشفى مصطفى الجامعي بالعاصمة، ولكن لتجنب انتظار مواعيد العلاج الطويلة، نُقل إلى تركيا، وبفضل الرعاية الطبية المتقدمة تعافى وهزم هذا المرض الخبيث.
من جانبه، يسلط الدكتور بواب ضياء الدين، المتخصص في أمراض السكري والغدد الصماء والسمنة، الضوء على العوامل التي تدفع الجزائريين للسفر إلى فرنسا للعلاج، وأهمها الجالية الجزائرية الكبيرة هناك، بالإضافة إلى اللغة كعامل رئيسي في علاقة التواصل بين المريض والطبيب، والقرب الجغرافي بين البلدين مقارنة بدول أخرى مثل تركيا وألمانيا وبلجيكا، بالإضافة إلى العدد الكبير من الرحلات الجوية المنتظمة بين الجزائر والمدن الفرنسية.
وبخصوص وجهات العلاج الأخرى، يقول الدكتور بواب إنه على الرغم من ارتفاع تكاليف العلاج هناك، إلا أن الجزائريين بدأوا يسافرون للعلاج إلى بلجيكا وسويسرا، لكن الوجهة التركية تظل الأكثر طلبا، حسب قوله، بسبب التقارب السياسي والتقارب الديني بين البلدين، دون أن ننسى ألمانيا وكذلك تونس التي استثمرت في عمليات التجميل وغيرها.
ويعتقد الدكتور بواب أن الحد من نقل المرضى للعلاج في الخارج يعتمد على سياسة الدولة في بناء المستشفيات رفيعة المستوى وتدريب الأطباء. كما أشاد بما تقدمه بعض الخدمات التخصصية في بعض المستشفيات الجامعية ببلادنا، كقسم أمراض القلب بمستشفى بني مسوس بالعاصمة والمستشفى العسكري بعين النعجة.
وفي ذات السياق، أكد المختص أن آمال الجزائريين تبقى معقودة على المستشفى الألماني القطري الجزائري الذي سيتميز بالحداثة والتطور، وسيجمع بين الخبرة الطبية رفيعة المستوى وأحدث التقنيات التشخيصية والعلاجية في مكان واحد.
نثمن قرار رئيس الجمهورية بوقف إرسال مرضانا للعلاج في فرنسا
وفي ذات السياق، يقول رئيس نقابة الصحة العمومية الدكتور إلياس مرابط، إن حجم عقود صندوق الضمان الاجتماعي مع المستشفيات الفرنسية انخفض بشكل كبير، مقارنة بالسبعينات والتسعينات، حسب مسؤولين فرنسيين.
"نفى وزير الصحة الفرنسي يانيك نودر مؤخرا أمام البرلمان الفرنسي الشائعات المغرضة التي يروج لها العديد من المسؤولين والوزراء المتطرفين، وقال ردا على سؤال من سيناتور من اليمين الفرنسي، إن إجمالي الفواتير المتعلقة بعلاج المواطنين الجزائريين بين 2007 و2023 بلغت 150 مليون يورو.
وأكد أن الجزائر دفعت معظم هذه المستحقات، حيث لم يبق سوى 2.58 مليون يورو للمستشفيات العمومية، وهو نفس الرقم الذي قدمته وكالة الأنباء الجزائرية".
ويرى المرابط ضرورة تطوير المنظومة الصحية على كافة المستويات، بدءا من تدريب الموارد البشرية، إلى تحسين ظروف عيشها وأجورها، مع خلق مسار مهني جيد ومحفز للأطباء للعمل في القطاع العام بدل القطاع الخاص، حتى لا يفكروا في الهجرة أو الاستقرار في دول أخرى للعمل.
ولعل العنصر الأهم، حسب المرابط، هو مواصلة تحسين تأهيل المرافق الصحية في بلادنا، من المستشفيات العادية إلى المستشفيات المتخصصة للغاية، وتوسيعها لتشمل كامل التراب الوطني بشكل متوازن، بالإضافة إلى رفع مستوى الخدمات والمراقبة، وكل هذا يتم من خلال شراكة على مستوى التأهيل والخبرة الإدارية مع دول متقدمة في هذا المجال.
ولم يفوت مرابط، بصفته ممثلا لنقابة أطباء الصحة العمومية، الفرصة لتقدير قرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بوقف إرسال المرضى الجزائريين للعلاج في المستشفيات الفرنسية، والذي جاء بهدف تعزيز السيادة الصحية في البلاد، وتخفيف التوترات المالية والسياسية التي أحدثتها هذه العمليات في السنوات الأخيرة.
وكان رئيس الجمهورية قد صرح سابقا في حوار مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية قائلا: "لقد قررنا عدم إرسال مرضانا إلى فرنسا بعد الآن، وسيتم توجيههم إلى دول أوروبية مثل بلجيكا وإيطاليا وتركيا".
وأضاف: "مرت ثلاث سنوات ونحن ننتظر لقاء مع الجانب الفرنسي لحل هذه القضية، والتي تقدر بنحو 2.5 مليون يورو، وهو رقم بعيد جدا عن الأرقام التي تداولتها الصحافة الفرنسية. الجزائر تدفع ديونها دائما، لكن الفواتير المقدمة لنا يجب أن تكون مبررة".
المصدر : الخبر
لا تقرأ وترحل اترك بصمتك في تعليق